البراجيل.. مكيفات قطر التراثية التي سبقت عصر التكنولوجيا

بقلم دانة داجران – مجلة فسيفساء

مارس، 2025

صورة لاحدى البراجيل على واحد من البيوت التراثية

البراجيل واحدة من أروع الابتكارات المعمارية التي قدمتها الثقافة القطرية عبر العصور، والتي تجسد براعة الأجداد في تصميم المباني وتكييفها مع بيئة الخليج الصحراوية الحارة؛ قبل أن تصبح المكيفات الكهربائية جزءًا من الحياة اليومية في العصر الحديث، كان القطريون يعتمدون على هذه الأبراج المدهشة لتوفير الراحة والبرودة في منازلهم، ما يبرز قدرتهم على الاستفادة من الموارد الطبيعية والتفكير المبتكر في مواجهة تحديات المناخ الحار.

وتُعرف البراجيل أنها أبراج تهوية بنيت فوق الأسطح في المنازل القطرية التقليدية، وتعمل على تبريد الهواء داخل المنازل عن طريق الاستفادة من الرياح الباردة وكان لهذه الأبراج دور حيوي في توفير التهوية الجيدة، حيث كانت تجذب الهواء البارد من الأعلى وتسمح له بالتدفق داخل الغرف، مما يخلق بيئة داخلية مريحة بعيدًا عن حرارة الصحراء القاسية.

ويتراوح ارتفاع البراجيل في غالب الأحيان بين مترين إلى أربعة أمتار، وتتوضع على أسطح المباني أو المنازل التقليدية كما تتميز هذه الأبراج بأنها مربعة أو مستطيلة الشكل، ولها فتحات على الجوانب موجهة لعدة اتجاهات لالتقاط أكبر قدر من الرياح، خصوصًا في المساء عندما يهب النسيم البارد من البحر بالإضافة إلى ذلك، كانت البراجيل تصمم على شكل مصابيح تهوية، حيث تتسرب خلالها الرياح بشكل لطيف وتعمل على تقليل حرارة الأماكن المغلقة.

وفي الماضي، كانت البراجيل بمثابة حل بسيط ولكنه فعال لمشكلة الحرارة في ظل غياب الكهرباء وأجهزة التكييف الحديثة، وكان أهل قطر يتقنون استغلال البراجيل بما يتماشى مع الرياح الموسمية واتجاهات الهواء في فصول السنة المختلفة. فكانت هذه الأبراج تلتقط الرياح الشمالية الباردة في الشتاء وتعمل على تهوية المنازل بشكل عام في الصيف وكان هذا الابتكار المحلي يستفيد من التصميم الفريد للمنازل القطرية، والتي تتميز بجدران سميكة تمنع دخول الحرارة الزائدة وتحافظ على برودة الأماكن الداخلية.

حتى مع ظهور التكنولوجيا الحديثة في العقدين الأخيرين، وتوافر المكيفات الكهربائية في جميع الأماكن، لا تزال البراجيل جزءًا من التراث القطري والموروث الثقافي، حيث يمكن رؤيتها في العديد من المنازل التقليدية في مختلف أنحاء قطر وفي بعض الأحيان، يتم إعادة بناء هذه الأبراج في المجمعات السكنية أو المرافق الحديثة لتعزيز الطابع التراثي والإبداعي في تصميم المباني، مما يضيف لمسة من الأصالة إلى الهندسة المعمارية المعاصرة.

كما تعد البراجيل مثالًا حيًا على كيفية تفكير أجدادنا في إيجاد حلول عملية للمشاكل اليومية باستخدام ما هو متاح في البيئة، ولم تقتصر الفائدة التي جلبتها هذه الأبراج على توفير الراحة في المنازل فقط، بل كانت تعبيرًا عن روح الابتكار والاستدامة التي تميز بها المجتمع القطري القديم؛ وبينما قد تبدو الأبراج اليوم تقليدية في الشكل، إلا أن مبادئها في استغلال الرياح والتهوية الطبيعية قد تجد مكانًا لها في عالمنا المعاصر الذي يسعى بشكل متزايد نحو حلول صديقة للبيئة ومستدامة.

وتظل البراجيل في ذاكرة القطريين معبرة عن البراعة الهندسية والقدرة على التكيف مع البيئة، وتُعتبر أحد أبرز رموز الهوية المعمارية في قطر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *