بقلم مريم النابت– مجلة فسيفساء
مارس، 2025

صورة أثناء بعض العروض التي توضح اهتمام البحارة القطريون بالغناء أثناء الصيد
أغاني البحارة القطريين أحد ألوان الفلكلور الشعبي الذي يعكس تاريخًا طويلًا من الاتصال بالثقافات الأخرى عبر البحر، فمنذ قرون مضت، كانت الملاحة البحرية واحدة من الركائز الأساسية للحياة القطرية، حيث كان البحارة القطريون يُبحرون عبر المياه المفتوحة في رحلات الغوص على اللؤلؤ، والتجارة، والاكتشاف وعلى الرغم من التحديات التي كانت تواجههم في تلك الرحلات الطويلة، كانت الموسيقى جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية، حيث كانوا يستخدمون الأغاني كوسيلة لرفع المعنويات، وتوثيق لحظاتهم، ونقل تجاربهم الثقافية إلى ثقافات أخرى.
وتُعد أغاني البحارة نوعًا فريدًا من الأغاني التي تحمل في طياتها الكثير من التاريخ والتراث، وهي مزيج من الحزن والفرح، العمل والراحة وكانت هذه الأغاني تُستخدم أيضًا في العمل الجماعي، حيث كان البحارة يغنون أثناء أداء المهام الصعبة مثل المجداف أو شد الأشرعة، مما كان يساعد على تنسيق الجهود ويعزز الروح الجماعية وبرغم أن هذه الأغاني نشأت في البحر، إلا أنها كانت تُسمع وتنتقل بين المجتمعات البحرية المختلفة في منطقة الخليج العربي، لتصبح وسيلة لانتقال الثقافات والتجارب بين الشعوب.
وبالإضافة لذلك تعتبر الآلات الموسيقية التي كان يستخدمها البحارة القطريون جزءًا أساسيًا من موسيقاهم ومن أشهر هذه الآلات كان العود والطار، بالإضافة إلى الأدوات البسيطة مثل الدفوف والآلات الوترية التي يمكن حملها بسهولة على متن السفن، كما كان البحارة يستخدمون هذه الآلات لإضفاء طابع خاص على أغانيهم، التي كانت تُغنى على الإيقاعات التي تتماشى مع حركة السفينة على الأمواج؛ حيث كانت بعض الأغاني تُنشد جماعيًا أثناء العمل الشاق أو الترحال الطويل، وكانت تُعبّر عن الحنين إلى الوطن، والشوق إلى الأهل، والآمال التي يعلقها البحارة على رزقهم من اللؤلؤ والتجارة.
ورغم أن هذه الأغاني كانت تعكس حياة البحار في قطر بشكل خاص، إلا أنها كانت تُسهم أيضًا في التبادل الثقافي بين قطر والدول الأخرى التي كان البحارة يتنقلون إليها مثل الهند، إيران، وشرق إفريقيا ففي رحلاتهم البحرية الطويلة، كان البحارة القطريون يتواصلون مع شعوب هذه المناطق، ويكتسبون منهم الكثير من التأثيرات الثقافية والفنية وعندما يعودون إلى قطر، كانوا يُقدمون هذه التأثيرات عبر الأغاني، التي كانت تعكس خليطًا من الثقافات والألوان الموسيقية.
ويمكن ملاحظة أن بعض الأغاني التقليدية للبحارة القطريين تحتوي على إيقاعات وألحان مستوحاة من الموسيقى الهندية، حيث كانت هناك تبادلات تجارية مستمرة مع الهند عبر البحر؛ كما تأثرت الأغاني البحرية في بعض الأحيان بالألحان الأفريقية، خصوصًا مع تأثر بعض البحارة القطريين بالموسيقى القادمة من ساحل أفريقيا الشرقي، مما أضاف لمسة مميزة للأغاني القطرية، وجعلها أكثر تنوعًا.
واليوم، تُعد أغاني البحارة القطريين جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي في قطر، وتُعتبر موروثًا شعبيًا يتم الاحتفاظ به في المهرجانات الثقافية والفنية وفي العديد من الفعاليات التراثية، يتم إعادة إحياء هذه الأغاني من خلال الفرق الموسيقية التي تستخدم الآلات التقليدية مثل العود والطار، مع إضافة لمسات عصرية تواكب العصر الحديث ويمكن القول إن أغاني البحارة كانت جسرًا حيًا للتبادل الثقافي بين الشعوب، وحاملة للعديد من القصص والتجارب التي عايشها البحارة في رحلاتهم الطويلة.
ومن المجداف إلى الأوتار، تبقى هذه الأغاني شاهدة على قدرة البحر على الجمع بين الثقافات المختلفة، وعلى الدور الذي لعبته الموسيقى في نقل تلك الثقافات عبر الأجيال.