بقلم مريم النابت – مجلة فسيفساء
مارس، 2025

صورة لاحدى النساء أثناء حياكة السدو القطري
السدو أحد أبرز عناصر التراث القطري الأصيل، وهو نوع من النسيج اليدوي الذي يتميز بجماله ودقته، ويعكس مهارة وحرفية الأيادي القطرية التي تعكف على خلق هذا النسيج بحب واهتمام؛ ويعتبر السدو جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية في قطر والمنطقة الخليجية، وقد تم تناقله عبر الأجيال ليحكي قصة موروث شعبي وفني تعتز به الأجيال الجديدة.
ويتم صنع السدو باستخدام خيوط الصوف أو الوبر، وهي مواد طبيعية كانت متوفرة في البيئة القطرية؛ كما تتم عملية نسج السدو يدويًا باستخدام النول التقليدي، وهي عملية دقيقة تتطلب الكثير من المهارة والصبر، كما كان يُستخدم السدو لصناعة الخيام، الملابس، والأغطية التي تحمي أهل قطر من حرارة الشمس القاسية في الصيف وبرودة الشتاء في الصحراء؛ وكانت النساء القطريات، خصوصًا في المناطق البدوية، هن من يتقنّ هذه الحرفة، حيث كن يجلسن لساعات طويلة أمام النول لتصميم قطع السدو التي تُستخدم في الحياة اليومية.
السدو ليس مجرد نسيج، بل هو قصة تُحكى من خلال الألوان والأشكال التي يتم اختيارها بعناية حيث يُعبر عن الجمال والتفرد، ويتم تزيينه بأنماط هندسية متشابكة أو بأشكال مستوحاة من الطبيعة مثل الأشجار والزهور.
وقد كانت صناعة السدو في الماضي جزءًا من حياة البدو اليومية، فكانت النساء ينسجن السدو أثناء تنقلاتهن مع القوافل، ليصنعن من خلاله الخيام أو الحقائب وغيرها من الأدوات التي تُستخدم في الحياة البدوية وكان السدو أيضًا يُستخدم في صناعة البساط، الذي يُفرش على الأرض في المجالس أو الخيام، كما كانت الأغطية المصنوعة من السدو تمثل جزءًا من لباس الرجال في المناسبات الخاصة.
ومع تقدم الزمن وتغير أساليب الحياة في قطر، بدأ السدو في التحول من حرفة عملية إلى فنٍ ثقافي يُحتفظ به كجزء من الهوية القطرية ليُعتبر السدو في الوقت الحالي أحد الفنون الشعبية التي تُعرض في المعارض الثقافية والتراثية في قطر.
فاليوم يواصل العديد من الحرفيين القطريين ممارسة فن السدو في ورش صغيرة أو في الفعاليات الثقافية التي تُقام في البلاد، كما أصبح السدو أحد الفنون اليدوية التي تُستخدم في الأزياء والمفروشات العصرية، ففي الوقت الذي يقدر فيه القطريون تراثهم، نجد أن السدو لا يزال يمثل جزءًا من حياتهم اليومية، حيث يعكف بعض المصممين القطريين على استخدام السدو في تصميم الأزياء والإكسسوارات التي تعكس الأصالة والمعاصرة في آنٍ واحد.
السدو أكثر من مجرد نسيج؛ إنه تجسيد لتراث طويل الأمد وحرفة تعبر عن التميز القطري في الحفاظ على موروثه الثقافي، بل هو أيضًا علامة من علامات الفخر الوطني والشعور بالهوية؛ وتظل الأيادي القطرية التي تحيك السدو بكل حب وصبر، تشهد على العزيمة والإبداع في تاريخ قطر العريق.