“الكرابي” و”التيلة”.. ألعاب الطفولة التي صنعت جيلاً ذهبياً

بقلم دانة دجران– مجلة فسيفساء

مارس، 2025

لعبة التيلة

الكرابي والتيلة من أبرز ألعاب الطفولة التي عاشها الجيل القطري القديم، وهي تمثل جزءًا من التراث الشعبي في قطر وفي منطقة الخليج بشكل عام ورغم أن هذه الألعاب كانت شائعة في العديد من الثقافات، إلا أن الأطفال القطريين حافظوا عليها وأضفوا عليها لمستهم الخاصة التي جعلت منها جزءًا من هويتهم. وبجانب كونها وسيلة للترفيه، كانت هذه الألعاب تحمل في طياتها دروسًا في التعاون، التنافس الشريف، والمهارة، كما تُعد مثالًا على التبادل الثقافي الذي نشأ في المجتمعات الخليجية عبر العصور.

الكرابي هي لعبة بسيطة لكنها تتطلب مهارة وتركيزًا، حيث يقوم الأطفال بوضع قطعة خشبية مستوية أو حجر مسطح على الأرض، ثم يتناوبون على محاولة ضرب هذه القطعة باستخدام الحجارة الصغيرة، بشكل يشبه نوعًا من التحدي والمنافسة؛ وتتميز الكرابي بأنها لعبة جماعية تشجع على التعاون والتنسيق بين الأطفال، كما أن استخدامها لقطع الطبيعة مثل الحجارة أو الأخشاب يعكس العلاقة الوثيقة مع البيئة المحيطة حيث كانت هذه اللعبة تُلعب في الأزقة أو بالقرب من المنازل، وتجمع الأطفال من مختلف الأعمار، مما يجعلها وسيلة للتواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع.

أما التيلة، فهي لعبة أخرى من ألعاب الطفولة التقليدية التي كانت تُلعب في قطر وعدد من البلدان العربية تعتمد اللعبة على كرات صغيرة عادةً ما تكون مصنوعة من الزجاج أو الطين، وتُحرك باستخدام اليد على سطح الأرض أو الرمل في محاولة للعب بها مع آخرين في تشكيلات وألعاب معينة وتتطلب التيلة مهارة في التحكم والتركيز، كما يمكن أن تُلعب بشكل فردي أو جماعي، مما يعزز روح المنافسة والتعاون بين الأطفال. في الماضي، كانت التيلة تُمثل لحظات من المرح والابتكار، حيث كان الأطفال يختارون أشكالًا وأحجامًا متنوعة للكرات، مما يضفي طابعًا فريدًا على كل لعبة.

هذه الألعاب الشعبية لم تكن مقتصرة على الأطفال القطريين فقط، بل كانت تمثل عنصرًا مشتركًا في العديد من المجتمعات الخليجية والعربية وكان للتجارة البحرية والتبادل الثقافي دور كبير في انتقال هذه الألعاب بين البلدان، خصوصًا في المناطق التي شهدت تداخلًا تجاريًا وثقافيًا مع الهند وأفريقيا وبلاد الشام. ورغم التباين في بعض التفاصيل الصغيرة، فإن جوهر اللعبة وأهدافها المشتركة في الكرابي والتيلة كان يعكس طبيعة متقاربة بين الثقافات المختلفة.

وعلى الرغم من أن هذه الألعاب التقليدية قد تراجعت مع ظهور الألعاب الحديثة والتكنولوجيا، إلا أن الكرابي والتيلة ما زالت تُحفظ في ذاكرة كبار السن كجزء من الهوية الثقافية والتراثية وقد بدأت بعض المبادرات في قطر تتبنى هذه الألعاب التقليدية في إطار المهرجانات الثقافية والفعاليات التراثية، حيث يُتاح للأطفال اليوم فرصة تعلم تلك الألعاب وممارستها، ما يُسهم في تعزيز الفهم الثقافي والتواصل بين الأجيال.

إجمالًا، تمثل الكرابي والتيلة أكثر من مجرد ألعاب للأطفال، بل هي تمثل رمزًا للترابط الاجتماعي والتبادل الثقافي الذي يحدث عبر الزمن فمن خلال هذه الألعاب، يتم تمرير القيم الاجتماعية والتربوية بين الأجيال، ما يجعلها جزءًا حيويًا من الذاكرة الجمعية للقطريين وبينما تتطور التكنولوجيا، تظل هذه الألعاب البسيطة تذكيرًا بقوة التراث الشعبي وقدرته على التكيف والبقاء حية في قلوب الناس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *