مدير إدارة الإصدارات والترجمة في وزارة الثقافة السيد: محمد حسن الكواري “نترجم قطر إلى العالم… ونحفظ الذاكرة للأجيال”

حوار/ دانة دجران

يسرنا أن نستضيف في هذا العدد السيد محمد حسن الكواري، مدير إدارة الإصدارات والترجمة في وزارة الثقافة. يحمل السيد الكواري شهادتين جامعيتين وله عشرة مؤلفات أدبية تتنوع بين القصة والشعر، وبعضها يُدرس في مناهج الصف الثاني عشر. في هذا الحوار، نتناول دور إدارته في تعزيز المشهد الثقافي القطري من خلال الترجمة والنشر، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي. كما نسلط الضوء على التحديات والفرص التي تواكب التحول الرقمي والانفتاح الثقافي.
المدير محمد حسن الكواري: «لا شك أن وزارة الثقافة تسعى في المقام الأول لدعم المشهد الثقافي ونشر الثقافة ورفع الوعي لدى المواطنين والمقيمين في دولة قطر من خلال إصدارات متميزة لكتاب قطريين وعرب، بالإضافة إلى فعاليات ثقافية متعددة تهدف إلى نشر الوعي الثقافي والفني. تساهم الوزارة في تعزيز الثقافة القطرية من خلال فعاليات في جميع المجالات الثقافية والفنية والتراثية، مثل المسرح والفنون التشكيلية، بالإضافة إلى الفعاليات التراثية. كما نقوم بإصدار كتب متميزة لكتاب قطريين وعرب وترجمتها إلى عدة لغات، فضلاً عن ترجمة الأعمال المتميزة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية.»
نود في البداية التعرف على طبيعة عمل إدارة الإصدارات والترجمة، وأبرز التحديات التي تواجهونها في التعامل مع الثقافات الأخرى، خاصة في مجال الترجمة والنشر.
اختصاص إدارة الإصدارات والترجمة هي إصدار الأعمال المتميزة للكتاب القطريين، في مجالات عمل الوزارة، وكذلك للكتاب العرب. ونشر هذه الكتب في الدولة بشكل عام، إلى جانب الفعاليات الثقافية الخارجية. كذلك أيضاً ترجمة الأعمال المتميزة من اللغة العربية إلى اللغات الأجنبية، ومن اللغات الأجنبية إلى اللغة لعربية. لا شك أن هناك تحديات تواجه أي عمل وأي إدارة، نحاول في إدارة الإصدارات والترجمة تقليل هذه الصعوبات. فعلى سبيل المثال، من أحد الصعوبات التي نواجهها في ترجمة بعض الأعمال القطرية إل لغات أجنبية سواء كانت الإنكليزية أو الإيطالية أو غيرها. نحاول قدر الإمكان ان ننقل صورة ملائمة للبيئة المترجم لها من خلال ترجمة أعمال قطرية متميزة تعكس الحياة الاجتماعية في قطر أو الحياة الثقافية في قطر، والمستوى الثقافي التي وصل لها العديد من الكتاب، فهذه أحد التحديات التي نواجهها والتي تتمثل في نقل هذه العناصر اللغوية والثقافية والاجتماعية إلى الجانب الآخر.
ما الآليات المعتمدة لضمان جودة الترجمة إلى اللغات الأجنبية، بحيث تعكس الهوية القطرية بدقة، مع الحفاظ على الأصالة؟ وهل هناك معايير محددة لاختيار الكتب المترجمة (مثل التركيز على الكلاسيكيات مقابل الأعمال المعاصرة)؟
تحرص وزارة الثقافة أولًا على التعاقد مع مترجمين ذوي خبرة واسعة في مجال الترجمة، ولا تُسند مهام الترجمة الكبرى إلى مترجمين مبتدئين. نحرص على اختيار مترجمين لديهم سجل أعمال غني في ترجمة النصوص لأدبية، سواء من اللغة العربية إلى لغات أخرى أو العكس. هذه هي الخطوة الأولى لضمان الجودة. ثم الخطوة التالية، وتتمثل في تخصيص مُراجع مستقل لكل كتاب مُترجم، بشرط أن يكون هذا المراجع أكثر خبرة وكفاءة من المترجم الأول. بذلك، نضمن أن النص المترجم يحافظ على هوية النص الأصلي وجمالياته، وينقل الصورة الثقافية المراد إيصالها إلى القارئ في الدولة المستهدفة بأعلى مستوى من الدقة. تُطبق هذه الآليات بشكل موحد على جميع اللغات التي تُترجم عنها أو إليها ضمن مشاريع الوزارة.
كيف توازن الإدارة بين دعم المواهب المحلية في الكتابة والنشر، وجذب كُتّاب عرب وأجانب للمساهمة في إثراء الحركة الثقافية في قطر؟
في البداية، عندما يتقدم إلينا كاتب محلي بمشروع كتاب، سواء كان عملًا روائيًا، سرديًا، دراسة أدبية، مسرحية، أو أي نوع آخر من الأعمال الأدبية، تقوم الوزارة بتحويل هذا العمل إلى لجنة متخصصة لتقييمه. فإذا رأت اللجنة أن العمل يرقى إلى مستوى النشر الذي تطمح إليه وزارة الثقافة، يتم شراء حقوقه من الكاتب لمدة خمس سنوات أو لمدة كاملة، مع تقديم مكافأة مالية تقديرًا للعمل وجودته. بعد ذلك، تتولى الوزارة مسؤولية تدقيق العمل وتصميمه وإخراجه الفني، ثم طباعته ونشره، مع الترويج له في مختلف الفعاليات الثقافية، سواء المحلية أو الخارجية. هذه الآلية تشمل دعم الكتاب المبتدئين والكتاب المخضرمين على حد سواء، بشرط أن يقدم العمل إضافة نوعية جديدة للمكتبة القطرية والعربية. ونشير هنا إلى أن الوزارة تركّز على دعم المبادرات الفردية، خاصة تلك التي لا تصدر عبر المؤسسات أو دور النشر التقليدية، مما يسهم في تعزيز التنوع والإبداع داخل الساحة الثقافية.
ما استراتيجيتكم لدعم أدب الطفل، خاصة القصص التراثية المصوّرة، وكيف تساهم هذه الإصدارات في تعزيز الهوية والانفتاح لدى الأجيال الجديدة؟
لدينا في الوزارة عدة مجالات ومبادرات لدعم الكتابة الموجهة للأطفال، أبرز ذلك جائزة الدولة لأدب الطفل، والتي تُمنح سنويًا تقديرًا للأعمال المتميزة في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك، نقوم بدعم جميع الأعمال الأدبية المخصصة للأطفال، سواء كانت قصصًا، روايات، أو دراسات أدبية، من خلال طباعتها ونشرها، وبذلك تقديم جوائز تشجيعية للمؤلفين. وفي إطار مشروع «تعزيز الهوية الوطنية القطرية»، أصدرت الوزارة مجموعة من قصص الأطفال التي كتبتها مؤلفات قطريات، مثل: جدتي والبئر، وهيا في عالم الصبان، وسعد والوقت الضائع. تستهدف هذه القصص الفئة العمرية من ٥ إلى ١٢ عامًا، وتركز على ترسيخ قيم الانتماء والهوية الوطنية لدى الطفل. وتحرص الوزارة على إصدار ما معدله ثلاث كتب سنويًا ضمن هذا المشروع، مع العمل على ترجمة بعض هذه الأعمــــال إلى الغات أخرى، مثل اللغة الإندونيسية، بهدف تعزيز التواصل الثقافي والانفتاح على العالم. تتضمن هذه القصص أيضًا تعزيز قيم إنسانية أخرى إلى جانب الهوية الوطنية، مثل قيمة الوقت، أهمية الجار، والحفاظ على البيئة، مما يسهم في بناء جيل مرتبط بجذوره وقادر على التفاعل الإيجابي مع محيطه العالمي.
هل توجد مشاريع قيد الإعداد لجمع الثقافة الشفهية القطرية (مثل الحكايات الشعبية) ونشرها بصورة عصرية أو ترجمتها للغات أخرى؟
الموروث الشعبي القطري كان في الأساس موروثًا شفهيًا، تناقله الناس من جيل إلى جيل. بفضل جهود مخلصة قام بها باحثون مثل الأستاذ علي بن عبدالله الفياض والأستاذ علي بن شبيب المناعي، تمكنّا من توثيق هذا الموروث وتحويله إلى كتب محفوظة اليوم ضمن منشورات وزارة الثقافة. شمل هذا التوثيق العديد من الجوانب، سواء من خلال شعراء النبط أو عبر جمع الحكايات والأمثال الشعبية. ومن الأمثلة على ذلك: كتاب الأقوال والأمثال من البيئة القطرية للأستاذ صقر بن لحدان المهندي، وموسوعة قطر البحرية التي ترصد جزءًا مهمًا من تراثنا. كما أسهم كل من عبدالله الفياض وعلي الفياض في إصدار أكثر من ثلاثين كتابًا تتضمن دواوين شعرية وروايات شفوية نقلوها من أفواه الرواة مباشرة. اليوم، لدى وزارة الثقافة نسخ ورقية ورقمية من هذه الأعمال، وهناك خطط مستقبلية أيضًا لتوثيق هذا التراث عبر تسجيلات صوتية بإذن الله، مما يفتح المجال أمام نشره بأساليب عصرية وإمكانية ترجمته للغات أخرى لاحقًا.
في ظل التحول الرقمي، هل تخطط الوزارة لإطلاق منصات رقمية مثل الكتب الصوتية أو التطبيقات التفاعلية؟ وما الجدول الزمني المتوقع لذلك؟
بالنسبة للتطبيقات الرقمية والكتب الصوتية، نحن نتحدث عن مشروع لم يُنفذ بعد، ولكن هناك نية للعمل عليه بإذن الله. الكتب الصوتية لها جمهور واسع، وهي فكرة جيدة لا توجد أي إشكالية في تطبيقها على أرض الواقع. حاليًا، تركز الوزارة على التحول من الكتب الورقية إلى الكتب الرقمية، وبعد استكمال هذه المرحلة، ستنتقل بإذن الله إلى الكتب السمعية والصوتية كجزء من خططنا المستقبلية.
كيف يتم التنسيق مع الجامعات والمراكز البحثية في قطر لإثراء المحتوى الأكاديمي، وهل هناك شراكات قائمة في هذا المجال؟
لدينا علاقات متينة مع جميع المؤسسات الثقافية والأكاديمية والتربوية في دولة قطر، حيث نتبادل معهم الإصدارات والأفكار، كما نتعاون في العديد من المجالات الأخرى. على سبيل المثال، أنتم طالبات من جامعة قطر تقومون بإجراء مقابلات معنا لمشروع تخرجكم، وهذه الشراكة تمثل جزءًا من تعاوننا المستمر. نحن نحرص على تعزيز علاقتنا مع الجامعات والمعاهد والمدارس والمراكز الثقافية، لأننا في النهاية فريق واحد وهدفنا المشترك هو نشر الثقافة وتعزيز المحتوى الأكاديمي.
ما أبرز الجهود المبذولة لترويج الإصدارات القطرية في المعارض الدولية (مثل معرض فرانكفورت للكتاب)؟ وهل هناك تعاون مع مؤسسات أجنبية لترجمة الأعمال من العربية إلى لغات أخرى أو العكس؟
لدينا علاقات خارجية مع العديد من الجامعات الدولية، مثل التعاون مع جامعة في إيطاليا حيث أصدرنا كتابًا بعنوان «قطاف»، وهو مجموعة قصصية لكتّاب قطريين تضم حوالي اثني عشر كاتبًا. تم ترجمة هذه الأعمال إلى اللغة الإيطالية. بالإضافة إلى ذلك، نعمل مع جامعات أخرى وننسق مع بعض السفارات المحلية لترجمة الأعمال المتبادلة بين اللغتين العربية ولغات أخرى. كما قمنا بترجمة مجموعة من الكتب القطرية إلى لغات مختلفة، مثل التركية، بالتعاون مع جامعات ومؤسسات ثقافية في تركيا وسفارات محلية ودولية. الهدف من هذه الجهود هو تعزيز الاطلاع على الثقافة القطرية ونشر الإبداعات الأدبية القطرية على المستوى العالمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *